شمعة أخرى تضئ ولا تنطفئ..شمعة أخرى ..بل قمر آخر ..على طريق الحق والنور على طريق ذات الشوكة طريق الجهاد والمقاومة...شمعة تضيء وقمر يجئ ..ليؤكد الشهداء من الجديد أنهم وحدهم من يرتقون بدمهم الطاهر لينالوا المنزلة العليا, فلقد ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصار ..وما زال شلال الدماء يجري ولن يتوقف حتى نلقى الله شهداء بفضل منه أو منتصرين على أعدائنا .
مضيت يا شيخ سامي شامخاً كالجبال الرواسي وكنت صلباً لا تهتز كالصخور التي لا تلين..و صلت وجلت لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى, مضيت لتلاقي الله بشهادتك في مدينة رفح التي استعصت الكسر أو الذلة والخنوع, وامتطيت جواد العزة لتدور في الميدان بجهادك وعطائك وأنت الذي كنت تردد مقولة الشهيد الشيخ عبد الله عزام في أخوانك المجاهدين"حياتكم الجهاد ، و عزكم الجهاد ، و وجودكم مرتبط ارتباطا وثيقا بالجهاد ،أيها الدعاة : لا قيمة لكم تحت الشمس إلا إذا امتشقتم أسلحتكم و أبدتم خضراء الطواغيت و الكفار و الظالمين . إن الذين يظنون أن دين الله يمكن أن ينتصر بدون جهاد و قتال و دماء و أشلاء هؤلاء واهمون لا يدركون طبيعة هذا الدين" وبالفعل كنت كذلك على هذا الدرب الطويل والمشوار الشاق.
الميلاد والنشأة
ولد الشيخ سامي الحمايدة في الثامن عشر من شهر يناير من العام 1975م لأسرة لاجئة مقهورة تعود جذورها الأصلية لمدينة الرملة المحتلة, واتخذت من مخيم الشابورة في رفح مكاناً مؤقتاً للمعيشة لحين العودة للديار المحتلة.
تلقى شيخنا الشهيد تعليمه الابتدائي في مدرسة ابن سينا الابتدائية ثم في مدرسة "ج" الإعدادية للاجئين وانتقل ليكمل تعليمه الثانوي في مدرسة بئر السبع الثانوية للبنين وأنهي الثانوية العامة في الفرع الأدبي.
وتربى الشيخ سامي في كنف أسرة مجاهدة بجوار مسجد الفاروق مخرج الشهداء مما كان له الأثر الكبير في فكره ونهج حياته.
تعليمه
بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة التحق شهيدنا البطل في العام 1992م بالجامعة الإسلامية بغزة في كلية الشريعة, وواصل مشواره التعليمي والتحق ببرنامج الماجستير وكان موضوع بحثه في الفقه المقارن ولم يبقى عليه سوى مناقشة الرسالة, إلا أن الله قد اصطفاه لينال شهادة أعظم بإذنه تعالى,وعمل في العام 2006م في مجال التعليم بعد أن حرمته من ذلك سلطة أوسلو بسبب مطاردتها له وانتمائه السياسي لحركة حماس.
التزامه وجهده الدعوي
كان الشيخ منذ نعومة أظافره أحد أبناء مسجد الفاروق حيث تربى هناك على موائد القرآن وجلسات الذكر وكان أحد أوائل الأشبال الملتزمين بالمسجد في منطقته قبل انطلاقة الانتفاضة الأولى لينضم شهيدنا لجماعة الأخوان المسلمين في وقت مبكر من عمره, وأبدع في المجال الدعوي وشارك في جميع أنشطته وخصوصاً عقده للندوات التي طاف بها المساجد, وحاز على الدورات التأهيلية في الدعوة حتى بلغ رتبة رقيب في جهاز الدعوة ولديه العشرات من الشباب في أسر أخوانية يرعاهم ويتابع أمورهم دعوياً لدرجة أن أخوانه وجدوا حملاً ثقيلاً في متابعة هذه الأسر بعد استشهاده رحمه الله.وأثناء دراسته في الجامعة كان الشيخ سامي أحد النشطاء المميزين في الكتلة الإسلامية وذو مهارة عالية في استقطاب الشباب غير الملتزمين وتأهيلهم دعوياً.
صفاته وأخلاقه
كان الشهيد رحمه الله يتمتع بخصال و مناقب كثيرة و لكن الاقتصار على بعضها يدل على الكثير منها ، فقد كان رحمه الله منارة هداية للسائرين ، و قلعة جهاد يتحصن بها الشباب المسلم في رفح وتميز بالشجاعة و الحماسة فكانت هذه السمة هي الغالبة على شخصيته رحمه الله ، فقد طرق الدعاة أبواب الدعوة فوجدوه قلعة حصينة من قلاعها و عندما تحدث الناس عن الجهاد وجدوه علما بارزا من أعلامه, وعرف عنه طيبته وتواضعه وكرمه وزهده الشديد في الدنيا لدرجة أنه لم يفكر أن يشتري لنفسه يوما أي شيء وكانت أمه هي التي تجبره على أخذ الملابس الجديدة التي تشتريها له, وكان رحمه الله باراً مطيعاً لوالديه حريصاً على رضاهما, وكان رحمه الله يكثر من القيام ليلاً وصيام النافلة.
بطل مخيم الشابورة في انتفاضة الحجارة
تشهد شوارع وأزقة مخيم الشابورة على بطولة الشبل سامي ذو الإثني عشر ربيعاً حين انطلقت الانتفاضة الأولى المباركة, ويعرفه كل الناس في المنطقة بأنه هو قائد المواجهات ومخططها الذي يحدد سير المسيرات ورصد الدوريات وإشعال الإطارات وقفل الشوارع بالمتاريس.
وعرف بجرأته التي لا يتخيلها أحد فلم يعرف الشباب أحداً بينهم كسامي في المسافة التي يقترب بها سامي من جنود الاحتلال لرشقهم بالحجارة أو ما تيسر له من أي شيء صلب, وكان لديه شغف كبير في أخذ الغنائم من الصهاينة مثل قنابل الغاز أو الذخيرة والعصي وما يخلفونه من أدوات إسعاف الجنود أو خوذاتهم العسكرية , ويروي أحد زملائه أن دوريات الصهاينة قد عرفت سامي جيداً وكانوا يغتاظون منه أشد الغيظ بسبب نشاطه وكان ضابط المخابرات يسميه بالعفريت لكثرة ما آذى الصهاينة في المواجهات.
ومن مواقفه الشجاعة بجوار مسجد الفاروق في إحدى المواجهات كانت الدبابة واقفة هناك وأطلق الجنود قنابل الغاز على الشباب فسقطت إحداها دون أن تنفتح فتلقفها سامي واقترب من الدبابة ثم فتحها وألقاها داخل فتحة الدبابة مما جعل الصهاينة بداخلها يخرجون منها مسرعين بعد أن كادوا يموتوا اختناقاً.
وفي إحدى المواجهات شاهد سامي مجموعة من الجنود يعتقلون شاباً بعد أن أبرحوه ضرباً فغاظه هذا المنظر فتقدم باتجاههم لدرجة الصفر ورماهم بحجارته فرد عليه الجنود بطلقات نارية أصابته في قدمه أثناء هروبه وتمكن من الفرار منهم.
كما عهدته الانتفاضة بابتكاراته في المواجهات فكان من أول من عرف صنع قنابل الصوت حيث ألقى بواحدة على عمارة كان يعتليها الجنود الصهاينة فأصيب الجنود بالذعر وحالة من الصراخ لأنها المرة الأولى التي يتعرضون لهذا الموقف وراحوا يطلقون وابلاً من النيران تجاه سامي الذي نجح كعادته بالفرار منهم.
وكان يجلب المرايا الكبيرة ويسلطها على أعين الجنود في الجيبات وقت الظهيرة مما يسبب سخط الصهاينة وغضبهم.
وكان له محاولة لصنع بندقية محلية فقام بعملها من المواسير وقطع الحديد بشكل بدائي ووضع فيها رصاصة من غنائم المواجهات وأثناء تجربته لها انفجرت فيه ودخلت بجوار أنفه شظية طولها حوالي 5سم ظلت في وجهه مدة عشر سنوات قبل أن يزيلها بعملية جراحية.
وتعرض للاعتقال مرة واحدة مع ابن عمه ونال من الضرب المبرح ما نال في مركز الشرطة الصهيوني في رفح, وأصيب عدة مرات خلال المواجهات وكان مشهوراً بين أقرانه بكثرة جروحه وتقطيبه لها.
ولم يكن يستقر طوال تلك الفترة أبدا فكان يقضي يومه في مطاردة الصهاينة في المواجهات وما أن تنتهي يهرب من على أسطح منازل المخيم ويقضي باقي الوقت في بساتين البرتقال خشية أن يتم اعتقاله.
وما أن دخل الشيخ سامي الجامعة الإسلامية حتى كان أحد أبطال الدفاع عنها ضد محاولات اقتحامها من قبل جنود الاحتلال وأحد صناديد مواجهات الجامعة.
صبره على ظلم ذوي القربى
تعرض الشيخ سامي للكثير من الأذى من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة أوسلو فقد اعتقلته أجهزة الأمن الوقائي والاستخبارات ولاقى أصناف العذاب المختلفة في سجونهم, وكان جهاز الأمن الوقائي يداهم منزله من فوق الجدران بحثاً عنه ولما لم يجدوه في المنزل اعتدوا على والده وهددوه, وكان يتعرض لإطلاق النار أثاء مطاردته, كل هذا ولم يفكر أبداً في الانتقام منهم رغم كل ما لاقاه منهم من أذية ويروي أحد أخوانه أنه كان يعرف الذين يحققون معه ويعذبونه فرداً فرداً وأنه بعد الحسم العسكري لحركة حماس في غزة امتنع أن يذهب لأحد الأماكن الذي كان يتم فيه التحفظ على عدد من مجرمي التيار الخياني الذين آذوه خشية أن ينتقم لنفسه منهم وكان يردد دوماً أن قوته يريها للصهاينة فقط ولا يبطش بأحد غيرهم.
بطولاته الجهادية في انتفاضة الأقصى الثانية
انضم الشيخ سامي لجهاز الأحداث منذ بداية انتفاضة الأقصى الثانية في العام 2000م وتم استقطابه للعمل في كتائب الشهيد عز الدين القسام من خلال الشهيد القائد يوسف الملاحي, حيث تميز بعطائه الجهادي الكبير في الكثير من المجالات والأعمال التي لا يقوم بها إلا الرجال, يقوم بمهمته بكل سرية ويؤديها على أكمل وجه.
وقد شارك رحمه الله في دك مغتصبات العدو مواقعه العسكرية البائدة حول رفح بالصواريخ القسامية وقذائف الهاون, وشارك في عدد من عمليات اقتناص الجنود الصهاينة في الأبراج العسكرية وعمليات تفجير العبوات بالمدرعات الصهيونية على الحدود المصرية الفلسطينية, وكان أحد أبطال وحدة مكافحة الإرهاب القسامية المتخصصة في حفر الأنفاق المفخخة تحت مواقع العدو الحصينة, وسجل حافل من العمليات الجهادية الأخرى التي لا نستطيع ذكرها وحصرها في أسطرنا القليلة.
وكان رحمه الله مثالً للالتزام والانضباط الجهادي وكان مسئولاً عن سرية قسامية كانت هي الأنشط في رفح ونال درعاً وتكريماً من قبل جهاز الانضباط في كتائب القسام لجهده الجبار وعمله الدءوب.
أما عن رباطه ليلاً على الثغور فقد كان من أروع أمثلة الثبات والروحانية أثناء في ليالي الرباط التي لا يكل منها ثم يصبح باكراً إلى عمله.
ترجل الفارس إلى عليين
حين اختار شهيدنا درب الجهاد و البقاء في أرض الجهاد ، فقد اختار درب الشهادة ، و درب العزة و درب الكرامة ، و ليس غريبا على الشيخ سامي أن يسير في طريق الشهادة ، و لكن الغريب هو أن لا يسير على نفس الطريق التي سبقه بها رفاق دربه من الشهداء الأبطال في رفح العزة والكرامة والذين حرص الشيخ سامي على زيارة قبورهم قبل استشهاده بأسبوع.
وبينما كان أغلب الناس يتدفقون لجلب حاجاتهم الأساسية من مصر بعد فتح الحدود كانت حاجة الشيخ سامي الأساسية أن تبقى أعينه حارسة في سبيل الله وأن يبقى مجاهداً حتى آخر لحظة, لكن بعد طول جهاد آن أوان الاستشهاد، واقترب الرحيل، ونال الشيخ سامي شهادة كان يلاحقها، فترجل الفارس إلى عليين، وصعدت روحه الطاهرة إلى باريها فجر يوم الجمعة 25/1/2008م بعد أن أطلقت عليه طائرات الحقد الصهيونية صواريخها الغادرة ليرتقي في تلك الليلة شهيداً بإذن الله مقبلاً غير مدبر تاركاً خلفه سجلاً حافلاً من البطولة والشهامة والشرف.