نبذة عن حياة الشهيد فتحي الشقاقي
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن فتحي عبد العزيز أو عز الدين الفارس غير الدكتور فتحي الشقاقي "أبو إبراهيم" الذي عرفته الصحافة العربية من مجلات ودوريات ثقافية وفكرية بكتاباته الملتزمة والهادفة والداعمة إلى نشر الإسلام المحمدي الأصيل، ولاستنهاض الأمة العربية والإسلامية، فمجلة المختار الإسلامي عامرة بالدراسات والمقالات المؤسِسة لنهج جهادي صحيح يصوب البوصلة إلى عدو الأمة وكيانه المصطنع على أرض فلسطين ، لقد كان أبو إبراهيم مثالاً فذاً للمجاهد المؤمن بالكلمة والحجر والبندقية.
ولد الدكتور الشقاقي عام 1951 في فلسطين واستشهد في 26/10/1995 غدراً في مالطا، أربعة وأربعون عاماً فقط هي عمر الشهيد المجاهد، ولكنها كانت زاخرة بالعطاء في مختلف المجالات، إن كان على مستوى الدراسة في جامعة الزقازيق في مصر، ليتخرج منها طبيباً جرَّاحاً في العام 1981، أو معتقلاً في سجون الاحتلال، ليخرج منها ومعه الميثاق التأسيسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وصولا لإبعاده إلى الأراضي اللبنانية في 1/8/1988، وهكذا والقول للشهيد الشقاقي :
"كان قيام حركة الجهاد الإسلامي إجابة على سؤال، كيف تكون القضية الفلسطينية قضية مركزية، نحن حددنا في داخل فلسطين مسألة ضرورة إعلان الجهاد ولذلك كان الصهاينة في وقت مبكر يسمون هذه الحركة بتيار الجهاد والآن، يجب أن تكون فلسطين في قلب مشروع نهوضنا طالما أن فلسطين في مركز مشروعهم المعادي، يجب أن تكون فلسطين في مركز مشروعنا الإسلامي".
وفي مصر وتحديداً في العام 1981 كتب الشهيد الشقاقي عن انتصار الثورة الإسلامية في إيران دراسة تحت عنوان "رحلة الدم الذي هزم السيف" ونشرت هذه الدراسة في مجلة المختار الإسلامي العدد رقم 21 السنة الثانية 1981، قال فيها:
"لأن الإمام الحسين كان رمز الثورة وجذوتها المشتعلة فقد اعتمدت بوعي رؤيته للثورة والتزمت بها، وأعلنت أن الثورة عمل غير مؤجل، وأن الوجوب فوق الإمكان، وأن مهادنة العدو والهرب من مواجهته حتى تكتمل ما تسمى بالقدرة المتكافئة هو وهم يشل الحركة ويقتلها".
وفي كتاب السنة والشيعة ضجة مفتعلة، قال:
"في الوقت الذي كان الإمام الخميني (قده) يعلن "طالما أن صيحة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله لا تتجلجل في كل أذن من هذا العالم فسيبقى هناك نضال"، ولذا فإن أي دعوة أو عمل لتفريق الصفوف باسم السنة والشيعة يعني الوقوف إلى جانب الكفر ضد الإسلام والمسلمين، وهي بالتالي كما أفتى الإمام الخميني حرام شرعاً وعلى المسلمين التصدي لها."
الدكتور رمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد قال:
"لم يكن الشقاقي قائداً عادياً، كان بما له من هيبة وسحر وجاذبية خاصة واحداً من صُناع التاريخ في مرحلة غاب عنها التاريخيون، ولم يبق سوى الباعة المتجولون للمبادئ والشهداء والتاريخ، كانت هيبته تجعل الكتابة إليه نزيفاً، فكيف بالكتابة عنه، عرفته قبل عشرين عاماً، وحين وقعت في أسره أدركت أنني ولدت من جديد، لقد كان بذرة الوعي والثورة في حقل النهوض الإسلامي الكبير".
المفكر الإسلامي السوري الدكتور محمد سعيد البوطي قال:
"لقد علّم رجاله من خلال يقينه الراسخ أن الشهادة في سبيل الله أسمى متعة يمكن أن يتذوقها إنسان، وأطرب نشوة يمكن أن تطوف بالرؤوس غير أنها مخبوءة داخل لفافة وهم الآلام وافتراق الأخطار".
المفكر الإسلامي المصري محمد عمارة قال:
"فلسطين شهيدة الأمة ومن هنا يتميز الشهداء في سبيلها في ساعة الشهادة والاستشهاد، وللشقاقي مكانه متميزة بين الشهداء، تنبع من الفكر الذي آمن به ومن القضية التي استشهد في سبيلها، وهي قضية خالدة وفكرة استراتيجية، باب الشهادة في سبيلهما مفتوح للذين أكرمهم ويكرمهم الله بالسير على هذا الدرب".
لقد كان لناقل هذه الشهادات علاقة ودّ ومحبة وصداقة لمدة عامين متتاليين مع الشهيد الدكتور الشقاقي، كانت النقطة المركزية لأي حوار نهاري أو مسائي في المنزل أو في السيارة هي القضية الفلسطينية وأهمية استنهاض الأمة في سبيل تحرير فلسطين من براثن الاحتلال، كيف لا وهو المهتم دائما بتوجيه السؤال اليومي ماذا قرأت اليوم، ماذا سمعت من أخبار عن فلسطين وانتفاضتها، إن الخبر الذي سمعته اليوم عند الساعة الثانية فجراً لم تكن معلومات دقيقة، وهكذا تمر الساعات والأيام لقاءات ومواعيد ومثابرة على سماع مواجز الأخبار ساعة بساعة، وفجأة يعرض عليك دراسة أو بحثاً ويقول هذا ما كتبته وأريد التعليق، لقد كان الدكتور فتحي أو عز الدين أو أبو إبراهيم يبدي حرصاً شديداً على مناقشة أي دراسة أو مقالة يرسلها لصحيفة أو مجلة أو حتى استشارة تأتيه من بعيد، ففي الليلة الأولى من أيام المبعدين الفلسطينيين إلى مرج الزهور أصر الدكتور فتحي على التوجه إلى مرج الزهور حتى ولو سيراً على الأقدام وباءت كل المحاولات في سبيل إقناعه لتأجيل الزيارة إلى النهار التالي بالفشل، وكان ما أراد وتوجه إلى مرج الزهور رغم بعض العوائق الميدانية ووصل إلى هناك وعانق الأخوة المبعدين وصافحهم فرداً فرداً واطمأن على صحتهم، لقد كانت الأيام السبعمائة وأكثر، حافلة بالعبر والعبرات، العبرات على فقد الشهداء، والعبر للتزود والاستمرار في نهج المقاومة والجهاد، وما محطة 26/10/1995 أمام فندق (الدبلوماسي) بحي سليمة بجزيرة مالطا عند الساعة الواحدة من ظهر يوم الخميس إلا المحطة الأخيرة من المحطات الجهادية في الحياة الدنيا للدكتور فتحي، حين كان عائداً من ليبيا إلى دمشق بعد إجرائه حواراً مع القيادة الليبية بشأن قضية عودة الفلسطينيين الذين طردتهم ليبيا باتجاه الحدود المصرية، ولتبدأ بعدها رحلة غربة الجسد الشاهد من مالطا بعد رفض عبور الجثمان حتى لأجواء بعض البلاد العربية، وصولاً لتدخل الرئيس الراحل حافظ الأسد، وينقل الشهيد فتحي الشقاقي بعدها إلى دمشق ليوارى الثرى في روضة شهداء فلسطين.