دراسة ظاهرة «البرَد» تحجم خسائره المادية والبشرية
تشكلٌّ حبة واحدة منه يحتاج لملايين من قطرات الماء
الدمام: عبد الله الجمعان
شهدت عدة مناطق سعودية الأسبوع الماضي، سقوط أمطار مصحوبة بكتل من البرَد تفاوت حجمها بين منطقة وأخرى، مما زاد من علامات الاستفهام حول الظاهرة.
تعد ظاهرة نزول البرَد، إحدى الظواهر الطبيعية الأكثر تعقيداً، التي بحثها العلماء طويلاً، وما زال العلم الحديث يسبر أغوارها ـ المخيفة والجميلة بآن واحد ـ ويتجلَّى تعقيد هذه الظاهرة من خلال العمليات التي ترافق تشكل البرَد، لأن تشكل البرَد يتم أثناء العواصف الرعدية، التي تصل فيها سرعة التيار الهوائي المتجه لأعلى الغيمة إلى أكثر من 160 كيلومتراً في الساعة.
ويقوم العلماء اليوم باستخدام الرادارات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، كذلك الأقمار الاصطناعية والأجهزة المتطورة لدراسة أسرار هذه الظاهرة المعقدة.
صفحة المياه لهذا الأسبوع نقلت عددا من التساؤلات حول هذه الظاهرة للمهندس عبد الدايم الكحيل، الباحث في الإعجاز العلمي القرآني، وأحد المهتمين عربيا بدراسة هذه الظاهرة، فأجاب عليها عبر اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» من مقر اقامته بحمص ـ سوريا، حيث شملت تلك التساؤلات نظرة الناس قديما لظاهرة البرَد، وتفسير العلماء لتشكلها، وعن ابرز تأثيرها الاقتصادي، وعن مدى وجود دراسات عربية لهذه الظاهرة، وعن وجود تفسير قرآني لتكوّن البرَد.
> كيف كان الناس قديماً ينظرون لظاهرة البرَد وغيرها من الظواهر المرتبطة بالأمطار والمياه؟
ـ لقد نُسجت الأساطير قديماً حول الظواهر الكونية المخيفة مثل كسوف الشمس والبرق والرعد وظاهرة البرَد، فكان للناس معتقدات ينسبون فيها هذه الظواهر إلى الآلهة، فالكسوف يعني غضب الآلهة أو موت زعيم عظيم أو خسارة معركة. والبرق هو العصا التي يستخدمها بعض الآلهة في الحرب مثل الإله زيوس في الأساطير الإغريقية القديمة. أما البرَد، فكانوا يتصورونها على أنها حجارة ترمي بها الإلهة أعداءها.. وغير ذلك من الأساطير التي لا تقوم على أي أساس علمي، لكن العصر الحديث قد شهد تطورات مهمة في تفسير وتحليل هذه الظواهر الكونية بشكل أظهر وجود قوانين فيزيائية دقيقة تحكم تشكل البرد داخل الغيوم.
> إذن كيف يفسر العلماء اليوم تشكّل البرَد وآلية نزوله؟ وما هي القوانين التي تحكم هذه العمليات المعقدة؟
ـ في البداية تبدأ التيارات الهوائية بدفع وسوق الغيوم المتفرّقة باتجاه الأعلى، فحبات البرَد الصغيرة يتطلب تشكيلها تياراً هوائياً سرعته وسطياً 45 كيلومتراً في الساعة، أما حبات البرَد المتوسطة فتتطلب تياراً هوائياً بسرعة 88 كيلومتراً في الساعة تقريباً، حبات البرَد الكبيرة تتطلب تياراً هوائياً سرعته 160 كيلومتراً في الساعة تقريباً.
ثم تبدأ هذه الغيوم بالتجمع والتآلف، ثم بعد ذلك تتراكم الغيوم فوق بعضها بعضا مشكِّلة ما يشبه الأبراج العالية التي تمتد لعدة كيلومترات في الغلاف الجوي!. في هذه الغيوم سوف تبدأ قطرات المطر بالتشكل، وكل مليون قطرة ماء باردة، سوف تتجمع لتشكل قطرة مطر واحدة! ويبدأ تشكل البرَد عندما تكون درجة الحرارة منخفضة جداً، دون الصفر، حيث تتجمع قطرات الماء الصغيرة والشديدة البرودة لتتجمد وتشكل حبة البرَد. ويقول العلماء: إن حبة البرد الواحدة والصغيرة، يستغرق تشكلها زمناً 5 ـ 10 دقائق، وتحتاج لمئات الملايين من قطرات الماء التي تتجمع لتشكيل حبَّة برد واحدة!، وقد يصل أحياناً قطر حبة البرَد إلى 15 سنتيمترا، وتصطدم بالأرض بسرعة 180 كيلومتراً. يتشكل البرَد على ارتفاعات عالية تصل إلى 18 كيلومتراً.
عندما نقطع حبَّة البَرَد إلى نصفين، نلاحظ عدداً من الحلقات على شكل طبقات متعددة تماماً كحلقات البصلة، وهذا يعني أن حبة البرد تتشكل على مراحل كل مرحلة تنمو فيها حلقة. وقد لاحظ العلماء أن المطر ينزل من كل الغيمة، بينما البرد يسقط فقط من ممرات محددة من الغيمة وتدعى صفوف البرد.وعلى كل حال، إما أن تذوب حبة البرَد قبل وصولها إلى الأرض، أو تكون صغيرة الحجم فتذوب داخل التيار الهوائي في الغيمة. وقد تبين أن معظم البرَد المتشكل في الغيمة يذوب قبل وصوله إلى الأرض! > هل هنالك أضرار يسببها تساقط البرد؟ وكيف يمكن تلافي هذه الأضرار؟ وما هي الدراسات حول البرد باللغة العربية؟
ـ تذكر الإحصاءات اليوم بأن تساقط البرَد تسبب بخسائر تصل لمئات الملايين من الدولارات في العام الواحد!، فمثلاً في عام 1981، في الولايات المتحدة، سببت عاصفة رعدية نزل فيها البرَد بكميات كبيرة لمدة ربع ساعة، خسارة أكثر من 100 مليون دولار!، وقد يكون حجم حبات البرَد كبيراً بما فيه الكفاية ليسبب أضراراً بشرية أيضاً، فأكبر حبة برَد سقطت كانت في ولاية كنساس عام 1970 وتزن 750 غراماً. وفي إحدى عواصف البرَد في عام 2000، قُتل أحد الناس عندما سقطت عليه حبَّة برَد بحجم حبة التفاح، وذلك في الولايات المتحدة. لذلك يجب أخذ الاحتياطات اللازمة لتلافي هذه الأضرار، ومن فضل الله تعالى أن تساقط البرَد هذه الفترة لا يسبب أضراراً تذكر في البلاد العربية، لكن أخذ الاحتياطات واجب.
ولا توجد أبحاث حول ظاهرة البرَد باللغة العربية إلا ما ندر، وبالتالي أود أن أغتنم فرصة لقائي بـ«الشرق الأوسط»، وأوجه دعوة للمختصين في علوم الارصاد في بلادنا العربية بضرورة إعطاء هذه الظاهرة أهمية في دراستها ونشر أبحاث حولها لتلافي الخسائر أو الأضرار المادية والبشرية في ما لو تساقط البرَد بحبات كبيرة لا قدر الله.
> نسمع اليوم بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم، حيث نعلم بأن القرآن الكريم تحدث عن كثير من الظواهر الكونية بشكل علمي مثل الرياح والسحاب والمياه، فهل تناول القرآن هذه الظاهرة؟ وهل تحدث عنها بشكل يطابق الحقائق العلمية المذكورة؟
ـ لقد نزل القرآن العظيم في القرن السابع الميلادي، وفي ذلك العصر كانت الأساطير تملأ معتقدات البشر، وبالرغم من ذلك عندما تعرض القرآن لذكر البرَد نجده يتناول هذه الظاهرة بشكل علمي دقيق، يقول تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ».. (النور: 43). إن الذي يتأمل هذه الآية الكريمة يدرك مباشرة التطابق والتوافق الكامل مع معطيات العلم الحديث، ويدرك أيضاً أنه لا اختلاف ولا تناقض بين الحقيقة العلمية اليقينية وبين النص القرآني. فقد رأينا كيف أن أول مرحلة من مراحل تشكل البرَد هو دفع التيارات الهوائية للسحب وتجميعها بعضها فوق بعض، وهو ما أشارت إليه الآية بقوله تعالى: «يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا»، ومعنى (يزجي) أي يسوق ويدفع وهذا ما يحدث بالفعل، ومعنى (يؤلّف بينه) أي يجمع بينه، ومعنى (ركاماً) أي غيوم بعضها فوق بعض، وهو ما يسميه العلماء بالغيوم الركامية.
وإذا تأملنا الآية الكريمة نلاحظ أن القرآن يستخدم كلمة (جبال) من الغيوم، وقد وجد العلماء أن شكل الغيوم التي تحوي البرَد يشبه البرج أو الجبل!، ويقول العلماء أيضاً إن البرَد لا يوجد في جميع أجزاء الغيمة، بل في مناطق محددة فيها، لذلك لم يقل تعالى: وينزل البرَد، بل قال: (مِنْ بَرَدٍ) أي أن جبال الغيوم الركامية تحوي شيئاً من البرَد، وهذا مطابق للعلم الحديث.
كذلك وجد العلماء أن قسماً كبيراً من البرَد يذوب قبل وصوله إلى الأرض (من 40 ـ 70 %)، وهذا ما عبَّر عنه القرآن بقوله تعالى: «فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ».