بعد انتهاء المرحلة الأولى من برنامج «آراب آيدول»، وبدء الجولة الثانية منه، برزت ملاحظات كثيرة حوله، خصوصاً في ما يتعلق بلجنة التحكيم التي تتألف من المغني اللبناني راغب علامة والمغنية الإماراتية أحلام والموزّع الموسيقي المصري حسن الشافعي. من الصعب إنكار النجومية التي حققها علامة (مواليد 1962) في العالم العربي، خلال مسيرة فنية طويلة، كما يصعب أيضاً إنكار الإنجازات التي حققتها أحلام (مواليد 1969) في موطنها. أما بالنسبة إلى الشافعي (مواليد 1982)، الوافد حديثاً إلى عالم النجومية، فسيرته الفنية ما زالت في طور البناء، مع العلم أنه يتعامل مع فنانين بارزين كعمرو دياب، وتتميز موسيقاه بالحيوية والشباب.
ولكن هل النجومية وبعض الإنجازات والشباب، تكفي لإصدار الأحكام في حق المواهب الجديدة الطامحة إلى فرصة العمر؟ سؤال تحتاج الإجابة عليه معرفة المقومات الأكاديمية لأعضاء لجنة التحكيم، ومدى قوة كل منهم في مجاله. من الطبيعي أن يكون الثلاثة درسوا الموسيقى، إضافة إلى الموهبة، لكنّ أحداً منهم لم يتعمق فيها أو أبحر في ظلماتها!
أظهرت المرحلة الأولى من البرنامج الذي تعرضه قناة «إم بي سي»، ارتباكاً لدى لجنة التحكيم في خياراتها، ففي حين نجح مشتركون في لفت نظر الجمهور، بقوة حضورهم وأصواتهم الرائعة، لم يوفّقوا في كسب رضا لجنة التحكيم، وثمة أصوات مُنحت أكثر من محاولة، قبل أن تُقبل على مضض، أو لأن اثنين من اللجنة تحالفا وصوّتا بـ «نعم»، ما يجعل قرار العضو الثالث بلا تأثير.
ومن الملاحظات التي تُسجَّل على لجنة التحكيم، أنها لم تعط تعريفاً واضحاً للـ «آراب آيدول»، وما هي المواصفات التي تبحث عنها، ما انعكس سلباً على اختيار المشاركين، إذ إن غالبية الناجحين متقاربةٌ في المستوى، أو في طريقة الأداء. فالغناء العربي يميز بأنماطه، مثل الشعبي والطربي والملتزم والرومانسي، لكن اللجنة لم توسّع دائرة بحثها عن غالبية هذه الأنماط، فقدمت غالبية الناجحين اللون الطربي.
والمفارقة أن رئيس لجنة التحكيم راغب علامة الذي شارك في استوديو الفن عام 1980، نال الميدالية الذهبية عن فئة الغناء الشعبي، لكن هذه الذكرى لم تحفزه على البحث عن موهبة تقدّم هذا النوع من الأغاني الأكثر انتشاراً حالياً في العالم العربي.
وبدا واضحاً ضعف ثقافة لجنة التحكيم الموسيقية، خصوصاً في تبرير عدم قبولها بعض الأصوات الجميلة والتي غنت في شكل سليم، وبدت ملاحظاتها عادية، ولا تنم عن حرفية، كأن يقال لمشترك ما إنه خرج عن المقام مثلاً، أو إنه لا يؤدي الأغنية وفقاً للحنها الأصلي. ومن المبرّرات التي قدّمتها اللجنة أيضاً في معرض رفضها بعض المواهب، أن إحساس المغني لم يصل إليها ببساطة، متناسية أن مسألة الإحساس نسبية، وأن المهم هو الحكم على طريقة الأداء والانتباه لمخارج الحروف، وخامة الصوت ومدى تميزها عن غيرها، مع العلم أن غالبية المشاركين هي من الهواة، وليست من المحترفين، وينقصها التدريب والتمرين الطويل.
كما ذُهلت اللجنة من تميّز بعض المشاركين، ومدى تمكنهم مما قدّموه، فوافقت عليهم فوراً، مع أن بعضهم لا يحتاج إلى رأي اللجنة، بل إلى فرصة للانطلاق.
وبعيداً من الأمور التقنية، تعاملت اللجنة مع عدد من المشاركين باستخفاف وسخرية، ما أثار غضباً في مواقع التواصل الاجتماعي، ودفع بعضهم إلى نشر مقطع فيديو قديم من أغنية علامة «يا ريت فيي خبيها» وهو يقوم بحركات راقصة مضحكة جداً، أطلقوا عليها «رقصة الفراشة السعيدة».
في ظل المنافسة التي تشهدها الساحة الغنائية العربية، ومع وتيرة تكاثر الفنانين المتسارعة، يدرك علامة وأحلام، أن الظهور الأسبوعي على «إم بي سي»، يقرّبهما من جمهورهما، لكنهما يبالغان في التمثيل، وتظهر بوضوح تصرفاتهما المصطنعة، إن في طريقة الضحك أو الحديث أو الحوار، على عكس الشافعي الطبيعي والهادئ والعفوي.
وأثارت أخيراً تصريحات المغربي محمد أمين جديل الذي شارك في البرنامج، الكثير من علامات الاستفهام، إذ ظهر كمعجب مهووس بعلامة أكثر من كونه يرغب في الغناء، وسخر من أحلام والشافعي. لكنّ محمد نفى أن يكون معجباً بالفنان اللبناني، كاشفاً أنّه طُلب منه ذلك، ما أثار غضب الجمهور المغربي، فعاد واعتذر عما فعله في شريط مصوَّر على «يوتيوب».
ومن المطبات التي وقعت فيها اللجنة، طريقة تصفيتها للمشتركين الـ81، للوصول إلى20 مشتركاً سينتقلون إلى المرحلة النهائية المباشرة، إذ لم توضح الأسس المعتمدة، ولا الغاية من الغناء في مجموعة تتألف من ثلاثة متسابقين.
ومن الملاحظات التي تُسجّل على إدارة البرنامج، اختيارها مدناً (القاهرة، الدار البيضاء، دبي، الكويت، عمّان، لندن، تونس وبيروت) سبق أن زارها عدد من البرامج المشابهة لاختيار المواهب، مبعدة مناطق عربية لا تزال بكراً في هذا المجال. وسبق أن قدَّم تلفزيون «المستقبل» عام 2003 ولخمسة مواسم متتالية، النسخة العربية الأولى من البرنامج باسم «سوبر ستار»، وتميّز آنذاك بلجنة تحكيمه المختصة بصرامة آرائها، وإرشاداتها المبنية على خلفية موسيقية خصبة.
نجحت «إم بي سي» في إعادة برنامج غنائي ضخم، وسخَّرت له إمكانات مادية كبيرة، بيد أنها أخفقت في اختيار بعض أعضاء لجنة التحكيم، وهم استفادوا من البرنامج في تلميع نجوميتهم.