مجزرة الحرم الإبراهيمي ذاكرة محفورة بالدم
2010-08-25
يحيى الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل واقعًا مأساويًا، فيما تمر الذكرى السنوية الـ16 للمجزرة الصهيونية بصمت.
ففي صلاة فجر 15 رمضان عام 1994، اقتحم المجرم اليهودي باروخ غولدشتاين على الساجدين سكونهم بآلاف الرصاصات التي قتلت 29 مصل وجرحت العشرات، ما زالت جرحهم شاهدة على "الإجرام الصهيوني".
ورغم مرور السنين إلا أن الإجراءات الصهيونية المشددة على الحرم والهادفة لسلخه عن المدينة وإبعاد رواده عنه، تثير شكوك هؤلاء ومخاوفهم من مجزرة جديدة.
يوم المجزرة
إمام المصلين يوم المجزرة عادل إدريس يروي ذكريات يوم محفور في النفس، ويستذكر كيف فوجئ بإطلاق رشقات من الرصاص صوب المصلين عندما كانوا في سجودهم.
ويبدي إدريس استغرابه من قيام طبيب بتنفيذ المجزرة ضد الركع السجود، وهو ذو رسالة إنسانية تحافظ على حياة المرضى الجرحى. لكن إدريس يفك استغرابه بأن دافع "الحقد الدفين التي يحملها المجرم اليهودي أجبرته على التخلي عن كل معاني الشفقة والإنسانية ومهمته وتنفيذ المجزرة وإزهاق أرواح الأبرياء".
ويضيف سمعت أصوات إطلاق النار بشكل مباشر، وهرع الناس ضاجين أثناء الصلاة، واستشهد المصلي خلف الإمام مباشرة، انقلب مشهد السجود والسكينة داخل المسجد إلى مشهد من الخوف والهلع والارتباك والفوضى العارمة، "ففي هذه الجهة تجد شهيدا ينزف وقد غطى دمه الأرض، وفي جهة أخرى تجد شبانا يحاولون إخراج الجرحى".
ويلفت إلى مشاركة جيش الاحتلال بالمجزرة، عبر إغلاق الأبواب وتعطيل نقل الجرحى، فإدريس حاول إنقاذ أخيه المصاب لكن الجيش منعه فاستشهد بين يديه.
ولا يخف إدريس شكوكه من إعادة المغتصبين للمجذرة، داعيًا لأخذ الحيطة والحذر في كل صلاة داخل الحرم الإبراهيمي، باعتباره مسجد مستهدف، ويقول:"اليهود قتلة الأنبياء كما قص القرآن الكريم وآذوا موسى عليه السلام أعظم أنبيائهم".
تخوفات متجددة
هذه الشكوك تساور أيضًا مدير أوقاف الخليل زيد الجعبري، لافتًا لـ"صفا" إلى التواجد المكثف والمستمر للمغتصبين المدججين بالسلاح في محيط الحرم وداخله وفي الطرق المؤدية له.
وحاليًا، أضحى الحرم ثكنة عسكرية لجيش الاحتلال الذي هود الجزء الأكبر منه. ويرى الجعبري أن الحرم "يعيش الآن أسوأ أحواله نتيجة اعتداءات الاحتلال المستمرة ومحاولة عزله عن الفلسطينيين والاستفراد به".
ويقول: "الاحتلال نفذ المجزرة بحق المصلين وأكملها بارتكاب مجزرة جديدة عبر السيطرة على أغلب الحرم وإغلاقه في وجه المصلين المسلمين وتحويله إلى معبد يهودي يدنسه المغتصبون ليل نهار".
وضم المجزرة الجديدة، قرر الاحتلال ضم الحرم الإبراهيمي إلى قائمة التراث اليهودي، ومنع بعد ذلك أعمال الترميم بشكل متواصل وحدّ من قدرة الأوقاف على القيام بأعمالها الطبيعية.
تداعيات
وينبه الجعبري لتداعيات المجزرة، وأهمها إغلاق الحرم لفترة طويلة ومن ثم السيطرة على جزئه الأكبر وتحويله إلى ثكنة عسكرية، ما أضعف إقبال المصلين عليه بسبب تلك الإجراءات.
وبعد عزل الحرم عقب المجزرة، قسّم الخليل إلى جزأين، وأضحى المواطن الذي يقطن بجوار الحرم يمشي حوالي 15 كيلو متر بمركبته ليصل إلى الحرم مارًا بمختلف أحياء المدينة.
كما تمنع سلطات الاحتلال رفع آذان المسجد مرات متتالية، تصل في بعض الشهور إلى 77 مرة، بحجة إزعاج الآذان للمغتصبين المتواجدين داخل الحرم وبمحيطه.
لكن مدير الأوقاف أكد أن هذا العام يشهد إقبالاً كبيرًا، لافتًا إلى أن ساحات الحرم وداخله تعج بالمصلين، داعيًا المواطنين في كل أنحاء الضفة إلى ارتياد المسجد ولو مرة واحدة بالشهر أو العام من أجل اعماره وإحباط مخططات الاحتلال.
مشاهد مريعة
وفي هذه الأثناء، يرقد يوسف أبو الحلاوة (40 عامًا) على مقعده بعد أن أفقد القدرة على الحركة إثر إصابته في المجزرة. ويستذكر رصاص المجرم وقنابله المنهمرة على الساجدين، وتكبيرات المصلين تعلوا بالحرم.
أصيب أبو الحلاوة برصاصة في فقرات العنق أدت إلى شلل رباعي في جسمه وانتهى به العلاج مستقرًا على كرسي متحرك.
ويؤكد الجريح أن "غولدشتاين" لم يكن وحده بالمجزرة، مدللا على ذلك بتعرض المصلين للرصاص وإلقاء القنابل من عدة اتجاهات داخل الحرم، كما انخفض عدد الجنود عن المعتاد ذلك اليوم. ولفت إلى قتل الجنود لعدد من المصلين بعد قتلهم لغودشتاين.
وما تزال آثار المجزرة ترتسم على زقاق البلدة القديمة وشوارعها التي تنبعث من جنباتها رائحة الاحتلال ومغتصبيه في مشهد يوحي بحزن المدينة الأبدي على تلك المجزرة التي قطفت زهرات وردية متفتحة من أبنائها في رمضان المشهود.